Friday, March 13, 2020

المدلول


مقدمة
الحمدلله ربّ العالمين على فضله الموفور، وقبوله منّا عفوا خطرنا المنزور، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على حبيبه وصفيّه، وخليله ونبيّه، محمّد الذي لا نرضى لبيان استحقاق من جهدنا، ونبتهل إلى الله الكريم أن يوصل إليه صلاتنا، ويقرب منه بعدنا، وأن يصلى على آله وأزواجه وأصحابه ولاة الحق، وقضاة الخلق، ورتقة التق، وغرر السبق، وفتحة الغرب والشرق، وسلّم سليما كثيرا، وبعد.
 في أسبوع الماضي قد تحدّثنا عن الدال، وفي هذه الفرصة النفيسة سنبحث عن المدلول. كما عرفنا أن الدال و المدلول فيها العلاقة القوية في المعاجم. حين نصل إلى فهم المدلول، نجد أن قواميس اللغة قد حاولت الإستفادة من كل أنواع التعاريف التي تحدث عنها المناطقة سواء منهم أصحاب التعريف (الشيئي) أم أصحاب التعريف (الاسمي). فكل ما نتج من خلاف بين الفريقين حاول أصحاب القواميس اللغوية استغلاله لصالحهم، ولا سيما بعد أن عرفنا أن هناك نقطة التقاء بين من ينطلق من الشيء إلى اللفظ، وبين  من ينطلق من اللفظ ليصل الى الشيء. الا أن هذا لا يعني أن التعريف في قاموس اللغة هو دائما تعريف منطقي، ولا هو تعريف يصطنع طريقة التحليلات العلمية ولغتها، بل هو يحاول أن يستفيد من ذلك محافظا على خصائصه المميزة.
          إن الإنسان عندما يفتح أي معجم فإن غايته كانت معرفة معنى الدال، فينبغي أن تكون معاني الدلالات فيها صحيحة كاملة. وسيصبح القارئ قانعا إذا كانت الدلالات المطلوبة مهيأة فيها. وبالعكس ستكون الحسرة رفيقته إن كانت الدلالات المطلوبة غير مقيدة فيه. اذا سنبحثها كيف طريقة لتعريف المعاني ليسهّلنا في بحثها. وقد حاول الباحثون اللغويون ابداء تعاريف المدلول كما سنبين فيما يلي :
1.    التعريف الجوهري
2.    التعريف العلاقي
أ‌.       التعريف بالمرادف
ب‌.  العريف بالسلب
ت‌.  التعريف بالتضمن
ث‌.  التعريف بالاشتقاق
3.    التعريف بالمثال
4.    التعريف بالتحليل
5.    التعريف بالصورة
أهداف البحث
1.    لمعرفة التعريف الجوهري
2.    لمعرفة التعريف العلاقي وأنواعه
3.    لمعرفة التعريف بالمثال
4.    لمعرفة التعريف بالتحليل
5.    لمعرفة التعريف بالصورة













المبحث الأول
التعريف الجوهري : definition substantielle
          فهناك من يقسم تعريفات قاموس اللغة بصفة عامة الى نوعين: تعريف جوهري وهو الذي يعمل على تفسير جوهر الشيء الذي له جنس وفصل كما عند المناطقة، وتعريف علاقي وهو الذي يفسر اللفظ اعتمادا على علاقاته المختلفة بألفاظ أو أشياء أخرى، فالتعريف الأول هو الذي يجيب عن سؤال: ما هو المعرف؟ بأنه هو الشيء الذي طبيعته وجوهره وعناصره كذا وكذا، والثاني هو الذي يجيب عن السؤال نفسه. بأنه هو الذي له علاقة من العلاقات مع لفظ أو شيء آخر.[1]
فان الانتقادات التي توجه عادة الى قواميس اللغة عند لجوئها الى التعاريف الجوهرية (الشيئية) هي أنها عادة ما تكون تعاريف بسيطة و سريعة و سطحية، وأحيانا تكون غامضة اذا لجأت لاستعمال لغة العلوم الاصطلاحية. أي استعملت تعاريف علمية، ولذلك تقول باحثة معاصرة: ((ان مشكلة التعاريف العلمية هي أن المعرِّفاتِ تكون عادة أكثر غموضا من المعرَّف الا أن وضع تعريف عادي بجانب تعريف علمي قد يحل المشكلة.
التعريف العَلاقي
          من المعلوم أن البنية الأولية والأساسية لأي قاموس لغوي هي بنية العلاقات المختلفة بين وحداته. وليس معنى هذه البنية فحسب هو أن الألفاظ توجد في القاموس متعايشة متساكنة بعضها الى جانب بعض في وعاء يشملها جميعا، ولكن معناه أيضا أن هناك علاقات اتصال وعلاقات انفصال سواء على مستوى الدال أم على مستوى المدلول. فكل لفظ له ازاء اللفظ الآخر إما علاقة توصله به وإما علاقة تفصله وتميزه عنه ، والذي يهمنا نحن هنا هو أن هذه العلاقات تقوم بدور هام في تعريف دلالات الألفاظ. ولذلك قال أحد الدارسين المحدثين : ان الكلمة (لا تكتسب تعريفها الا عن طريق العلاقات وأوجه التباين التي تكون لها مع بقية الكلمات الأخرى. انه المفهوم الأساسي لمعنى النظام (systeme) عند (دي سوسور).
          وقد  اشتغلت القواميس اللغوية القديمة منها والحديثة كثيرا من أنواع هذه العلاقات في صياغة تعاريفها، ولا سيما أن ربط الألفاظ بعضها ببعض له فوائد كبرى في حقل تعليم اللغة. ومن أهم وظائف القاموس- كما لا يخفى- الوظيفة البيداغوجية التعليمية.
ومن هذه التعاريف العلاقية التي تستعملها قواميس اللغة بالفعل نذكر على سبيل المثال:
أ‌.       التغريف بالمرادف
الترادف بمعنى اطلاق عدة كلمات على مدلول واحد أو توجد كلمتان تحملان معنا واحدا. وعلاقة الترادف المقصودة هنا هي علاقة اتصال بين لفظ وآخر من جهة المدلول كقولنا: (الأسد هو الليث). كقولنا أيضا: (جلس هو قعد). والا فكل تعريف من الناحية المنطقية هو تعريف ترادفي حتى ولو كانت العلاقة تضاد أي علاقة انفصال كقولنا: (الجاهل هو ضد العالم).
والتعريف بالترادف الذي نقصده هنا أيضا ليس هو الذي يكون المرادف فيه عبارة عن جملة من ألفاظ أو تراكيب من عدة جمل كقولنا: (الانسان هو: حيوان ناطق مفكر ضاحك...الخ) فهذا النوع سنعترض له تحت عناوين أخرى، كالتعريف بالتحليل، ولكن المقصود فقط هو التعريف البسيط الذي يتم بوضع كلمة واحدة مقابل كلمة أخرى، كما مثلما لذالك من قبل بقولنا : (الأسد: الليث). هذا التعريف بالمرادف البسيط (أي بالكلمة المفردة الواحدة) متداول بكثرة في سائر القواميس حديثة كانت أم قديمة، وحيدة اللغة أم ثنائية أم متعددة اللغات.
ولهذا النوع من التعاريف الذي وضحنا بعض المزايا، منها أنه يحقق شيئا مما تسعى اليه القواميس عامة وهو الإيجاز، الاقتصاد، كما أنه صالح وحده لوضع مقابلات للمصطلحات الأجنبية. ولكنه ليس من السهل دائما أن يجد المرء مرادفات للألفاظ التي يريد تعريفها، فكثير من الكلمات التي يعتقد أنها ترادف ألفاظا أخرى، قد لا تكون كذلك لوجود فروق دقيقة لا تتجلى على حقيقتها الا عند الاستعمال في نصوص أو سياقات مختلفة. مما يستدعي من واضع القاموس أن يبذل جهودا مضاعفة لايجاد المرادف المطلوب الذي يحدد المعنى تحديدا دقيقا، تفوق الجهود التي يبذلها لو أراد أن يعرف الكلمة بجملة طويلة وشرح مفصل، وكثيرا ما يؤدي التفسير بالمرادف الى ما يسمى بالدور والتسليل كأن تفسر (النوم) بأنه (الوسن) ثم تفسر (الوسن) بأنه (الرقاد) ثم تفسر (الرقاد) بأنه (النوم)، مما يجعل القارئ يدور مع هذه الألفاظ في القاموس، فتسلمه كل كلمة الى كلمة أخرى، وقد لا تحصل مع ذلك فائدة.
ب‌.   التعريف بالسلب
وقد يسمى التعريف بالضد أو بالمقابل، وهو مما يكثر استعماله أيضا في قواميس اللغة على اختلافها كأن يقال في تعريف الكاذب بأنه ضد الصادق، العالم ضد الجاهل، الا أنه أيضا يجب أن يحترز فيه من الوقوع في الدور والتسلسل.
ت‌.  التعريف بالتضمن
وهو كذلك من التعاريف المتداولة في قواميس اللغة يقوم على نوع من العلاقات بين الألفاظ. وهو أن تذكر في التعريف ما يتضمن المعرف ويدخل تحت جنسه كأن (الفضة) تعرف بأنها (معدن من خصائصه كيت وكيت) فالعلاقة بين (معدن) و (فضة) هي علاقة تضمن. وهذا في الحقيقة نوع من التعاريف الشيئية عند المناطقة لأنه ((يقابل في عمومه البحث عن الجنس القريب والخاصة المميزة عند أرسطو)).
ث‌.  التعريف بالاشتقاق
الاشتقاق هو أخذ كلمة من كلمة،[2] أي الذي أطلقت عليه (جوزيت دي بوف) اسم (التعريف الصرفي-الدلالي) شرحته بأنه هو التعريف الذي يعتمد في التفسير الألفاظ على الحالة على أصولها الاشتقاقية، ومثلت له بتفسير كلمة (jardinet) بأنه يقال انها : (peter Jardin) وكلمة (circulation) بأنه يقال انها: de circuler action). وقد لاحظت هذه الباحثة باستقرائها لعدد من القواميس الفرنسية، أن هذا النوع من التعاريف هو أكثر انتشارا من غيره لبساطته واقتصاده وايصاله الى الفهم السريع. الا أنه مع ذلك ليس من التعاريف الكافية أو التامّة. ونحن يمكن أن نمثل له في القواميس العربية بتفسير كلمة (الرجعية) بأنها من (الرجوع). وكلمة (البسملة) بأنها من (بسم الله). وقد كان ابن فارس يفسر كلمة (بلعوم) بأنها من (بلع+م) وكلمة (بحتر)- التي تعني القصير المجتمع الخلق- بأنها من (بتر) و(حتر) و يفسر (البرجد) الذي يعني الكساء المخطط بأنه من (بجد) و(برد). وذلك أن مذهبه -كما قال- أن أكثر ما تراه من الرباعي والخماسي منحوت.[3]
وعلى كل حال، فان التعريف بالاشتقاق يعتبر تعريفا علاقيا لأنه يقوم على مراعاة الفرع بالأصل. ولذلك جاز أيضا أن نعتبر من باب التعريف الاشتقاقي ما تقوم به القواميس اللغوية العربية من ربط بين الدلالات المجازية والدلالات الأصلية التي يعتقد أنها هي أصل الاشتقاق. كأن يقال في تفسير (العقل) انه من (عقل الدابة) وفي تفسير (الصفقة) التي تعني عملية البيع إن الأصل فيها أن العرب كانوا اذا عقدوا بيعا ضرب أحدهم على يد الاخر.
هذه بعض الأمثلة على التعريف القائم على ربط الألفاظ (دلالات ومدلولات) بعضها ببعض، مما هو مستخدم في قواميس اللغة. ولم نرد استقصاء سائر ما هو موجود من بقية الأمثلة.
التعريف بالمثال
          ونقصد أن هناك من الألفاظ ما لا يمكن تعريفه الا بتركيبه في جملة أو مثال وربما في أمثلة وجمل عديدة، وخاصة تلك الألفاظ التي تسمى (الألفاظ النحوية) مثل (عن- من- الى- هل- في- الذي- التي- الباء- التاء...الخ). فلو اقتصر صاحب القاموس اللغوي على تعريف (عن) بقوله: (حرف جر) لما كان في ذلك فائدة لغير النحوي. أما القارئ العادي الذي يهمه أن يعرف كيف يستخدم هذا اللفظ في اللغة العربية فلا بد له من أمثلة تبين له ذلك، من قبيل قولنا: (ضربت عنه صفحا)- (سمعت عنه خبرا) – (كتبت عنه تقريرا) الخ. ولهذا نرى اكثار القوامس اللغوية من الشواهد والنصوص لا للاحتجاج على صحة وجود اللفظ في اللغة فقط، ولكن أيضا لتوضيح طرق الاستعمال.
التعريف بالتحليل
          هو نوع من الشرح مثل له زكي نجيب محمود بتفسير (الأرملة) بأنها التي كانت متزوجة و مات عنها زوجها. وثير من التعاريف الجوهرية (الشيئية) تعتمد التحليل في الواقع. ولكننا نريد أن نشير الى ما أبانت عنه الدراسات اللغوية الحديثة في الحقل الدلالي من نظريات يمكن استغلالها والاستفادة منها في التعاريف القاموسية، وعلى سبيل المثال نشير الى النظرية التوزيعية التي تعتبر أن جزاء مهما من المعنى العام (sens total) لكثير من الألفاظ يحدده استعمال المحورين الاساسيين في التحليل التوزيعي وهما المحور النظمي والمحور الاستبدالي. هذا التحليل الذي وقع تطويره فيما بعد على يد المدرسة التوليدية الأمريكية ولا سيما في (النظرية المعيار) لتشومسكي.
          ومن التحليلات الدلالية التي يمكن الاستفادة منها التحليل السيمي (analyse semique) الذي يقوم على تفتيت الوحدة المعجمة الدنيا التي تسمى (سيميم) (sememe) الى ذراتها الصغرى، فتسمى كل ذرة منها (سيم)، والمثال النموذجي الذي يقدم على هذا التحليل هو كلمة (كرسي). اذ يمكن تفكيك أجزاء معناها على النحو التالي:
أ‌.         سيم 1- له متكأ (avec dossier)
ب‌.  سيم 2- له أرحل
ج‌.    سيم 3- من أجل شخص واحد
د‌.      سيم 4- من أجل الجلوس
فمجموع هذه الذرات (أو السيمات) هو الذي يكون المعنى الاجمالي أو السيميم (sememe) لكلمة (كرسي). فاذا جمعناها قلنا: الكرسي: هو 1) الذي يتكأ عليه. 2) وتكون له أرجل. 3) ويصلح لشخص واحد. 4) ويستعمل للجلوس عليه. فإذا أردنا أن نميز بعد ذلك بين (كرسي) و (أريكة) أضفنا (سيما) جديدا خامسا وقلنا: 5) وله ذراعان.
التعريف بالصورة
          هو نوع أصبحت تلجأ اليه القواميس الحديثة لزيادة الايضاح، أي أنه يعتبر جزاء من تعريف وليس تعريفا كاملا. ومن الضروري أن ننبه الى أن (القموس المحيط) للفيروزي يعد - حسب علمنا – أسبق القواميس العالمية الى الاستعانة بالصورة أو الرسم للايضاح، وإن لم يكثر من ذلك.
          ففي مادة (قرق) نجده يشرح أحد مداخلها الفرعية فيقول: و(القَرْق) : صوت الدجاجة. و(القَرْقِ) : الأصل الردئ، والعادة وصغار السن. ولعب السُّدَّر: يخطون أربعة وعشرين خطا.



 







فيصفون فيه حصيات..
وهناك مثال آخر عند صاحب القاموس، وهو قوله في مادة (عقل): والعقلة بالضم: في اصطلاح حساب الرمل:
ففسر الكلمات بهذا الرسم، وان كان تفسيره، قد بقي غامضا معمى على من لا معرفة له بهذا الحساب.






المبحث الثاني
وخلاصة القول في التعاريف المستخدمة بقوامس اللغة – قد أعطينا عنها أمثلة دون ان نحاول الاستقصاء – أنها ذات خصائص تميزها عن التعاريف المنطقة، وتعاريف الموسوعات العلمية، وكتب المصطلحات المتخصصة. ومن هذه الخصائص نذكر:
1.    أنها تعاريف تمزج بين التعريف الشيئي والتعريف الاسمي، أي بين تعريف ماهية الشيء والدليل اللغوي الذي يرمز به الى تلك الماهية.
2.    أنها لا تكتفي بتعريف المدلول بل تعرف الدال أيضا. فهي تستخدم نوعين من المعلومات الأول خاصة بالدال والثانية خاصة بالمدلول.
3.    أنها تولي عناية لطريقة استخدام اللفظ اما باعطاء أمثلة وشواهد نصية وإما بتوضيح علاقاته بألفاظ اخرى وإما بغير ذلك من الوسائل.
4.    إنها تصطنع لغة واصفة طبيعة أي لغة الحديث العادي وليس لغة العلوم ورموزها الصناعية.
5.    إنها تعتبر على حد تعتبر: (ملخصات) للمعاني الكثيرة التي لا يمكن الاحاطة بها الا عند القيام باستقراء سائر الاحوال التي يستعمل فيها اللفظ في تراكيب وسياقات مختلفة.
والأن، سنجرّب بعث المعاني من هذه المفردات التالي حتى نستطيع نطبّقها التعريفات المدلول.
الرقم
المفردات
المرادفات
الضدات
التحليلات
المثال
1
مسح




2
السن




3
طاقة




4
دور




5
التواضع




6
الخبر




   

خاتمة
الحمدلله ربّ العالمين انتهينا من هذا البحث، عسى الله أن يعطينا فهم النبيّين وحفظ ملائكة المقرّبين، ولعل هذا البحث مستعان ومستفاد في درس علم المعاجم. ونطلب العفو ان وجدتم الأخطاء من هذا البحث، ونرجو المداخلات الممتازة من استاذنئا الكريم، ومن اصدقائنا المحبوبين.

                                                                           ولله ولي التوفيق  












[1] . قضايا المعجم العبي في كتابات ابن الطيب الشرقي، صفحة 299
[2] التطور اللغوي مظاهره وعلاله وقوانينه، الدكتور رمضان عبد التواب، صفحة 182
[3] قضايا المعجم العربي في كتابات ابن الطيب الشرقي، صفحة 302

No comments:

Post a Comment

Ucapan selamat hari raya idul fitri 2020 atau 1441 H

Hari raya idul fitri dirayakan oleh umat Islam khususnya yang bertepatan pada bulan Syawal, dengan cara saling meminta maaf kepada orang-ora...